اليوم انخفض سعر سهم شركة سوني في البورصة لأدنى سعر له منذ 22 سنة (رابط الخبر الانجليزي)، وحين سألني سائل لماذا حدث ذلك، وجدت أن هناك عدة أسباب، لكن هناك سبب أساسي راسخ. قد يكون السوق الاقتصادي العالمي مترنحا بسبب ارتفاع سعر البترول، والذي أدى لارتفاع أسعار كل شيء، الأمر الذي أدى لحدوث كساد، مما أدى لتراجع أسعار أسهم البورصات. لكني أرى وأزعم أن هناك سبب أقوى يساعد على التراجع المستمر منذ فترة لأسهم شركة سوني، وهو أن رصيدها من الإبداع والتجديد قد نفد.
نحن نعلم قصة نشأة سوني، من طهي الأرز إلى الترانزستور إلى ووكمان وبلاي ستيشن. بدأت سوني كشركة تقلد منتجات غيرها، ثم بدأت تبدع وتخترع وتبهر العالم، ثم توقفت. أظن أن قلة من ستذكر مشغل كاسيت سوني ووكمان، ثم ديسك مان، ثم كاميرات الفيديو الصغيرة، ثم أجهزة بلاي ستيشن الإصدارة الأولى والثانية، ثم ماذا بعد ذلك؟ ربما بعض طرازات التليفزيون، وربما هاتف أو اثنين، ثم لا شيء.
[مؤخرا قرأت أن ستيف جوبز (مدير شركة ابل الراحل) كان يريد لأول جهاز آي ماك أن يحمل اسم ماك مان MacMan تقليدا لعادة سوني في تسمية منتجاتها الجديدة التي تبهر بها العالم. عبقرية ستيف جوبز كانت في أنه كان يعرف متى يتمسك برأيه ويقف ضد العالم، ومتى ينزل على آراء المستشارين والعباقرة الذين أحاط نفسه بهم، والذين رفضوا هذا الاسم!]
ربما مشكلة توقف سوني عن الإبداع لها أسباب أعمق من أن نلاحظها، ولعل من ضمنها توقف شباب المهندسين اليابانيين عن الإبداع، وربما مشكلة سوني بدأت حين دخلت مجالات بعيدة عن نقطة قوتها وهي الالكترونيات، أو ربما بدأت حين اختاروا رجلا انجليزيا ليكون المدير الأعلى ويدير كل شيء، وربما خلت اليابان من الرجل المناسب لهذا المنصب، وربما العديد من الأسباب، لكني أقولها بثقة، أين آخر منتج أخرجته لنا سوني وأبهرنا وجعلنا جميعا نتدافع لشرائه؟
سأذهب بعيدا في افتراضي هذا وأقول أن سوني، مثلها مثل أي شركة، لم تنتبه لمشكلة نضوب منابع الإبداع والتطوير لديها. حين وجدت شركة ابل أن الانجليزي جوناثان ايف مصمم عبقري، أحضرته من بلده إنجلترا ليعمل لديها بدوام كامل ووضعته في منصب عال وبعدما اطمأنت لعبقريته، تركته يعمل ويبدع، ولتضمن عدم رحيله، أعطته نصيبا سخيا من أسهم الشركة. .
كيف تحل معضلة توقف شركتك عن الإبداع؟
هذا سؤال أصعب من أن نجيب عليه في سطور، لكن العقلية الأمريكية مثلا تقوم على استمالة أي عبقري يبزغ نجمه، بكل الوسائل المشروعة من الإغراءات، مثل الراتب والمنصب والنصيب في ملكية الشركة، لما لا والشركة ستخسر كل شيء إن لم تجذب إليها كل نابغة يعينها على المنافسة والإبداع؟
المعضلة التالية ستكون، حتى بعدما تجذب إليك الشخص المبدع الفنان العبقري، فلن ترى النتائج الإيجابية لانضمامه إليك إلا بعد مرور فترة من الزمن، وهكذا تسير تدابير الحياة، فهل تستطيع شركتك الصبر عليه؟ لا خيار أمامك إلا أن تفعل، فانعدام الإبداع يعني خروجك من حلبة المنافسة وتراجعك عن تصدر السباق، ليدخل من هو أكفأ منك وأكثر فهما لأصول السباق.
تحدثت سابقا عن أمريكي واجهته مشكلة فحلها بشكل غير مسبوق وعبقري، لكن معلق رأي في فعلته الاحتيال، رغم أنه لم يخالف أي قاعدة قانونية، وهو ربما استغل سذاجة القانون، لكنه لم يخالفه. إن تعجب، فالعجيب عبقرية المسلمين في غزوة الخندق، فهم جاؤوا بفكرة جديدة تماما، لم يسبقهم إليها أحد في شبه جزيرة العرب، وحفروا الخندق. الآن، هل لجأ المسلمون للاحتيال والنصب ومخالفة القانون؟ أم لجؤوا إلى الحيلة والإبداع؟ هل وقف مقاتل غير مسلم وقال هذا غير عدل، يجب أن تحاربوا بذات الطريقة التي نحاربكم بها، رجل لرجل وفارس لفارس وإلا فأنتم محتالون غير شرفاء؟ لا قواعد في الحرب، وبشروط كثيرة يمكن أن نقول الأمر ذاته في المنافسة التجارية الشريفة. يجب أن نتعلم من غزوة الخندق أن الإبداع عنصر أساس في حياتنا. في هذا الموقف، استعان المسلمون بالخبرة الأجنبية، سلمان الفارسي، وهم بذلك أخذوا الطيب وتركوا ما عداه من ثقافات غير المسلمين.
سبق وتكلمنا كثيرا عن ضرورة الإبداع، رغم ذلك ستجد بعض العيون تقول لك: هذا لا يجدي في عالمنا العربي، فالسوق عندنا لم يتطور بعد لهذه الدرجة. قد يكون ذلك صحيحا، لكنه لن يصمد طويلا. ثورات الربيع العربي عملت مثل الصدمات التي توقظ النائم، وأصبح هناك إحساس عام بأن عدم مواكبة التطورات العصرية خطر داهم، وأن الخوف من التغيير ومقاومته لا توقف هذا التغيير، وأن أفضل شيء هو أن تساير هذا التغيير. كان ظن أكثر من رئيس هارب أو مخلوع أو مقتول أو معزول أن الوضع لن يتغير أبدا، لكنه تغير. الأمر ذاته بالنسبة لضرورة الإبداع، سيأتي تغير السوق العربية مفاجئا للجميع، وما يهم ساعتها هو: هل أنت مستعد بمنتجات إبداعية مبتكرة، أم ستكون ممن تعقد الدهشة ألسنتهم ويستسلمون للخسارة وخروجهم من السباق؟