المرصد

مصر بين مطرقة العجز المالي والعجز التقني

الأتمتة
الأتمتة
كُتب بواسطة مشرف الموقع
الأتمتة

الأتمتة

المقال بقلم: أحمد نبيل فرحات

تعيش مصر حالة صعبة كدولة من دول الربيع العربي التي قامت بثورة بيضاء للتخلص من نظام فاسد مفسد، استطاع على مر سنوات طوال أن يجعل من مصر صاحبة الحضارة والريادة مطية لدول أخرى كانت مصر ترسل اليها الزكاة كل عام، نظام احال الأخضر في مصر الى يابس وقتل الأمل والطموح في عيون اجيال متعاقبة، ولم يكتفي بهذا بل عمد الى تجفيف موارد مصر من خلال وأد كل الأفكار ودفن كل الآمال وطرد كل اصحاب العقول المبدعة الى خارج البلاد، لنفيق جميعا على حقيقة مرة وهي وضع مزري أليم لكل شيء في مصر، فأصبحت كل الهيئات والمؤسسات والمصالح مرتعا للفساد ليس فقط المالي ولكن الفساد الأخلاقي والإداري اعمق وأخطر بكثير.

لقد استلم النظام الجديد في مصر تركة مهلهلة، قطعة من القماش المخروق من كل الجهات فلا تكاد تجد بضع سنتيمترات في هذه القطعة إلا وقد وجدت فيها حرقا هنا او قطعا او خرقا هناك .. ولعل أبرز ما تواجهه مصر حاليا هو مشكلة غياب التقنية والعمل بالأنظمة اليدوية القديمة التي اصبحت لا تستطيع ان توفي ابدا حاجة التعامل مع آلاف بل قل ملايين المهام يوميا، فالأنظمة اليدوية في المرور والسكة الحديد والإسعاف ومراقبة الطرق وغيرها كانت تصلح قديما حينما كان الشعب المصري أقل عددا وأكثر وعيا، بينما الآن وفي ظل حالة التكدس السكاني المهولة وفي ظل حالة التغييب الثقافي وانحدار الوعي الشعبي، أصبح استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في كل تلك القطاعات ضرورة وليس رفاهية، لم يعد التحول التقني والأتمتة خيارا للحكومة المصرية وانما اصبح فرضا وحلا واجبا لا يتخيل ان تحدث معه تغييرا جذريا في التعامل مع مشكلات المواطنين بدونه.

لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الميزانية الضخمة التي يتطلبها هذا التحول التقني في مرافق الدولة المصرية، فالمرور مثلا حتى الآن يعمل بالنظام التقليدي وهو مراقبة الطرق بالرادارات والاكتفاء بمجند هنا او امين شرطة هناك وكلها آليات أصبحت بعيدة كل البعد عن الأسلوب الأمثل لمواجهة الإنفلات المروري والفساد الأخلاقي لقائدي المركبات، والتحول من هذه الأنظمة والطرق اليدوية الى الأسلوب التقني يستلزم تركيب آلاف الكاميرات الرادارية على الطرق الرئيسية والشوارع المحورية، بالإضافة الى ضرورة اللجوء الى اشارات المرور الذكية والتي تتصل بأجهزة كمبيوتر عملاقة في غرف الإدارة المركزية في ادارة المرورة بالمحافظات المختلفة، ومن ثم فالحكومة تحتاج الى تدريب عدد كبير من رجال المرور على استخدام هذه التقنيات بما فيها اجهزة الرادار المحمول وغيرها من الأدوات التي يحتاجها مرفق الشرطة للعمل بكفاءة وذلك لتحسين وضع الحالة المرورية في مصر وللتقليل من كم الكوارث التي تحدث على الطرق في مصر ليل نهار.

كان هذا مثالا واحدا صارخا نشرح فيه كيف تحتاج الحكومة المصرية لميزانيات ضخمة لدعم تحول قطاع واحد من القطاعات من الأنظمة اليدوية التقليدية الى الأنظمة الالكترونية الحديثة، وينطبق هذا الحال تقريبا على جميع مرافق الدولة المصرية والتي تحتاج وبشدة وبشكل عاجل الى هذا التحول التقني رغم ما يحتاجه من دعم حكومي مالي ولوجستي.

ورغم ما يتطلبه الأمر من ميزانيات كبرى وخطط عاجلة وارادة سياسية حاسمة، إلا أن ثقتي في العقليات المصرية التي أصبحت ترى من الثورة المصرية فرصة عظيمة كي تثبت نفسها، وكي تستثمر طاقاتها تلك في سبيل تحقيق أحلامهم وطموحاتهم بأن يروا مصر قوية عزيزة تصدر العلم والحضارة للعالم كما كانت وستكون إن شاء الله، أما الميزانيات فلا أحسب أن مصر بمواردها وبما ميزها الله من موقع جغرافي وثروات طبيعية ستعجز عن القيام من عثرتها وتوفير ما يستلزمه الأمر لتحقيق هذه الطفرة التي تستحقها ويستحقها شعبها.

أحمد نبيل فرحات
16/1/2013

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.